الخميس، 13 يونيو 2013

على مجلس التعاون الخليجي أن يتّخذ خطوات حاسمة لردع الأطماع الإيرانية

قال ألبرت أينشتاين: "إذا كنت تسعى إلى الحقيقة، دع المجاملات الجانبية". من وحي هذه المقولة، سأتكلّم الآن وبصراحة عن التهديد الأكبر الذي أرى أن منطقتنا تواجهه حالياً. فأنا لا أتوانى عن تسمية الأمور بأسمائها، ولست مستعداً للف والدوران والاختباء خلف الكلام الدبلوماسي، لا سيما في هذه المرحلة التي تشتدّ فيها الأخطار. الحقيقة التي لا يرقى إليها الشك هي أنه للجمهورية الإسلامية الإيرانية أطماع إقليمية توسيعة في دول الخليج، كما أنها مصمّمة على فرض هيمنتها على العالم العربي من خلال عملائها الشيعة، وتبذل جهوداً حثيثة لنشر أيديولوجيتها المتطرفة في مختلف أنحاء المنطقة. باختصار، إيران ليست صديقة لنا.

حتى الآن، تحملنا إمعان إيران في إطلاق تهديداتها بإحراق حقول النفط في الخليج، وإغلاق مضيق هرمز أمام حركة الملاحة، ومنع شركات الخطوط الجوية التي تستعمل عبارة "الخليج العربي" من العبور في مجالها الجوي. ولم نتّخذ إجراءات حازمة عندما داس الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على المشاعر الإماراتية وقام بزيارة مثيرة للجدل إلى جزيرة أبو موسى - إحدى الجزر الإماراتية الثلاث التي احتلها الشاه بالقوة عام 1971 - بعد تصريح لوزير خارجيته عام 2012 ادّعى فيه أن "ملكية" إيران لتلك الأراضي "نهائية ودائمة وغير قابلة للتفاوض".

لقد تغاضينا عملياً عن التحريض الإيراني للشيعة في البحرين ودفعهم إلى التمرّد على النظام، لكن على الأقل تحلّت السعودية بالحكمة للتدخّل بناءً على طلب البحرين من أجل إحباط المؤامرة الإيرانية الهادفة إلى فرض السيطرة على دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي حيث تملك طهران أطماعاً توسعية ولم تتورّع في الماضي عن المطالبة بضم أراضٍ بحرينية إليها. وعجزنا عن إنقاذ لبنان من حكم الملالي المفروض عليه بقوة الأمر الواقع. لكن لا يجوز لنا أبداً التغاضي عن الدور الذي تؤدّيه طهران في دعم مجرم الحرب السوري للاحتفاظ بقبضته على السلطة وسط شلالات الدماء التي تفتك بالأبرياء. لقد تجاوزت إيران، بفعلتها هذه، كل الخطوط الحمر ويجب ردعها.

دعكم من الديبلوماسية! دعكم من المبادرات الخادعة والتصريحات المنمقة! هل يجدي الكلام مع دولة تتحدّى المجتمع الدولي بسعيها إلى امتلاك سلاح نووي تستعمله في ابتزاز المنطقة، وترسل المقاتلين والصواريخ لمساعدة طاغية همجي على قتل شعبه؟ إننا نخدع أنفسنا إذا كنّا نعتقد أن المؤتمرات المتتالية ستقطع الطريق أمام السعي الإيراني إلى الهيمنة في المنطقة.

حان الوقت كي نستلم زمام المبادرة بأيدينا قبل فوات الأوان. فإذا حقّق الأسد، معاذ الله، النصر مستعيناً بترسانة الحرس الثوري و"حزب الله"، سيكون مديناً لطهران ببقائه السياسي، وسيصبح جميع المواطنين السوريين تحت أمرة إيران أو روسيا. سوف ترفع كل المدن والبلدات السورية الأعلام الشيعية وصور الخميني. سوف يزداد نفوذ "حزب الله"، وسيُعامَل غير الشيعة في سوريا ولبنان كمواطنين من الدرجة الثانية، هذا إذا تمكّنوا من النجاة من ردات الانتقام المذهبي الدموي.

لا جدوى من التعويل على تدخّل أمريكي أو بريطاني أو فرنسي؛ فهم لا يجيدون سوى الكلام فيما يتفرّجون على مقتل 90 ألف مواطن سوري بين رجل وامرأة وطفل، ونزوح مليون ونصف مليون شخص من منازلهم مع لجوء مئات الآلاف إلى تركيا ولبنان والأردن وسواها من البلدان. يبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة قرّرتا العمل بحسب مقولة "شيطان تعرفه أفضل من شيطان لا تعرفه". ولا يبدي الأسد من جهته أي استعداد لمهاجمة إسرائيل حتى رداً على قصفها مواقع عسكرية سورية. فماذا حلّ بكل الكلام الأمريكي والبريطاني والفرنسي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ من الواضح أن هذين المبدئين لا ينطبقان إلا في الحالات التي تصبّ في مصلحة تلك البلدان!

إذا سقطت سوريا بأيدي النظام وأسياده، فسوف تكتسب إيران وعملاؤها زخماً ونفوذاً، أما الغنيمة الكبرى بالنسبة إليهم فستكون السيطرة على دول الخليج الغنية بالنفط. ينتشر جواسيس إيران وخلاياها النائمة في بلداننا ويتحيّنون الفرصة لتنفيذ ضربتهم. حتى الآن، لا يزال كثر يعتقدون أن الولايات المتحدة وحلفاءها سيتدخّلون للحؤول دون حدوث ذلك. ربما يساعدنا هذا الاعتقاد لننام هانئين، لكن كيف يمكننا التعويل على واشنطن لحمايتنا في حين أن إدارة أوباما وجّهت انتقادات غير مباشرة إلى السعودية بسبب تدخّلها في البحرين، ولا تزال تتردّد بشأن تسليح المعارضة السورية؟ وفي الإطار عينه، رفع الأوروبيون الحظر عن تسليح المعارضة السورية، لكنهم لم يقرنوا بعد القول بالفعل. الحقيقة هي أن الغرب، وعلى الرغم من خطابه الشديد اللهجة ضد إيران، أطلق يد طهران وسمح لها بأن تنشر مخالبها في لبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن. يعلّمنا التاريخ أن تأجيج النزاعات المذهبية بين السنّة والشيعة، وما يتسبّب به من زعزعة للاستقرار، يقع في صلب الاستراتيجية الأمريكية القائمة على مبدأ "فرّق تسد"، والموروثة من حقبة الأمبراطورية البريطانية.

في سبيل التصدّي للتهديد الإيراني، أناشد قادة دول مجلس التعاون الخليجي المبادرة في الحال وبدون تأخير إلى اتّخاذ الخطوات التالية:

1.     على دول الخليج أن تدرك أنه يجدر بها الاعتماد على نفسها وأن تتحمّل مسؤوليتها تجاه مصائر مواطنيها.
2.     يجب قطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران وطرد سفرائها وديبلوماسييها.
3.     يجب أن تتوقّف فوراً جميع سبل التبادل التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران.
4.     على مجلس التعاون الخليجي أن يقدّم الدعم المادي للمعارضة السورية، من حيث القوة البشرية والسلاح والتعاون الاستخباراتي.


تميل كفة الميزان لصالح الأسد وعصاباته. تحقّق قواته، بمساعدة "حزب الله"، مكاسب استراتيجية، آخرها في بلدة القصير على الحدود اللبنانية، والتي كانت تُستخدَم ممراً لنقل الإمدادات إلى قوات المعارضة السورية. يتباهى الرئيس السوري بالسيطرة على الوضع فيما يرسل جيشه لاستعادة مدينة حلب. ولذلك أناشد القادة في دول الخليج المبادرة إلى التحرّك في الحال، بدون أي تأخير، لأن الوقت قد داهمنا ولم يعد مقبولاً هدره في النقاشات والسجالات الطويلة وغير الحاسمة. ليس جائزاً أن نغمض عيوننا على أمل أن تتحسّن الأمور، أو أن نتوهّم أن ما يجري في سوريا ليس من شأننا. يقول المثل "لا تخشَ عدواً يهاجمك... بل اخشَ الصديق الزائف الذي يعانقك". على جميع دول الخليج والدول العربية ذات الأكثرية السنّية أن تعمل بهذا القول عند التعاطي مع إيران.

خلف أحمد الحبتور